من نحن؟ من أین جئنا؟ و كیف بدأ الكون؟ كلھا أسئله طرحھا الإنسان منذ البدایة... الأسلوب الذي اعتمد علیھ
الإنسان كان إما عن طریق المعتقدات الدینیة (أي الإیمان المطلق بصحة ما قدمتھ الأدیان) أو عن طریق التفكیر
المنطقي الذي یعتمد في وصولھ الى الى نتائج مبنیة على المشاھدة أو المراقبة للظواھر المختلفة في الكون.
العلوم، بصورة أساسیة، ھي المعرفة الإنسانیة المعتمدة على حقائق موضوعیة یتم الوصول إلیھا عن طریق المشاھدة
و الدلیل المنطقي الذي یمكن قیاسھ بالتجربة أو الحسابات الریاضیة.
حتى القرن السابع عشر، وحتى زمن جالیلیو جالیلي، كانت العلوم مرتبطة بشكل وطید بالدین.
كانت الشعوب القدیمة مفتونة بحركة النجوم و بإمكانیة التلاعب بعناصر طبیعیة من أجل الوصول الى منتجات ذات
فوائد عملیة أو طبیة.

لھذا كانت الشعوب القدیمة في جمیع أنحاء الأرض (من الصین الى مصر) قد طورت العلوم بشكل مستقل؛ كالفلك
و الطب و الخیمیاء... لكن التفسیرات التي آمن بھا القدماء كانت دینیة بالكامل... في مصر الفرعونیة مثلا ، كان علاج
الأمراض یتم بالتعاویذ و بأسالیب طرد الأرواح لأن الإعتقاد الذي كان سائداً ھو أن الأرواح الشریرة ھي السبب في إیذاء
صحة الإنسان. حتى الریاضیات، التي بدأت في التطور قبل أكثر من خمسة آلاف عام، كانت ذات قیمة رمزیة حیث لم یعتقد أحد بقدرتھا
على مساعدتنا في فھم الكون... حتى الإغریق، قادة الفكر العلمي في التاریخ، كانوا یعتمدون على مجالین منفصلین في
منطقھم؛ الأول ھو الریاضیات المجردة و الثاني ھو المشاھدة التي كانت بلا دعائم تجریبیة.
في النھایة، تغلب أسلوب المشاھدة و التصنیف بفضل أرسطو الذي صنف كل الكائنات الحیة في زمنھ حسب عوامل لا یزال
بعضھا مستخدم حتى الیوم... لیس ھذا فقط ، بل تمكن أرسطو أیضاً من وضع الطبیعة في إطار نظام عقلاني
متماسك لم یسبقھ إلیھ أحد... لھذا بقیت آراؤه مسیطرة على الفكر في العالم لأكثر من ألفیتین من الزمن، حتى تحولت، في
المعتقدات المسیحیة في القرون الوسطى، الى أفكار مقدسة لا یجوز لأحد التعدي علیھا.
أسھم العلماء العرب في الحفاظ على تلك الأفكار و في تطویرھا في الكثیر من المجالات.
كان من المستحیل لھذا الواقع الإستمرار الى الأبد.

فقد كان لظھور الطباعة دور ھام في فتح أبواب جدیدة و في تسھیل نشر آراء و أفكار جدیدة لم یكن من المسموح التفكیر بھا سابقاً.
التغیرالكبیر جاء في العام 1543 عندما أكد نیكولاي كوبرنیكوس في كتابهDe Revolutionibus Orbium Coelestium
أن الأرض ھي التي تدور حول الشمس و لیس العكس؛ متحدیاً بذلك أسس علم الفلك الخاص بأرسطو.
بعد ذلك بوقت قصیر، جاء جالیلیو جالیلي الذي قام بتوجیھ الضربة القاضیة الى أفكار أرسطو... وضع جالیلیو أسس
العلوم الحدیثة و ذلك بإنشاء المذھب العلمي الذي سمح بالوصول الى نتائج مقبولة عن طریق المشاھدة و التجربة.
استخدم جالیلیو التلسكوب، لأول مرة، في التوصل الى حقائق دعمت أفكار كوبرنیكوس... أھم ما قدمھ جالیلیو لنا كان
فكرة واحدة: "الطبیعة مكتوبة بلغة ریاضیة"... ھذه الفكرة تم تطویرھا بفضل اسحق نیوتن الذي قدم للعالم في العام 1687 كتابھ
الشهيرPrincipia Matematica الذي احتوى على أسس الفیزیاء
الحدیثة المتضمن للمیكانیكا التقلیدیة و لقوانین الجاذبیة. كانت قوانین نیوتن ذات أثر كبیر أدى بالعلماء الى النظر الى الكون كآلة
تدور حسب قوانین ریاضیة و فیزیائیة... و ھذا الأثر كان لھ فضل في تطویر علوم أخرى كالبیولوجیا و الطب.

الزلزال العظیم الذي ھز الطریقة التي نظر بھا العلماء الى الكون و الطبیعة جاء في بدایة القرن العشرین... فمن جھة، تمكن ألبرت
آینشتین من برھنة أن الفضاء و الزمن لیسا عاملین منفصلین؛ فھما مرتبطان ببعضھما البعض ویعتمدان في حسابھما على موقع و سرعة
المراقب، مما أدى الى انھیار قوانین نیوتن في ما یخص المسافات
و الأزمان العظیمة جداً... و من جھة أخرى، جاءت میكانیكا الكم التي برھنت على أن موقع جسیم ما (في العالم المیكروسكوبي) في نقطة زمنیة
معینة یمكن معرفتھ فقط في نقطة زمنیة لاحقة... مما یعني أنھ، من الناحیة النظریة، یستحیل معرفة كل أوجھ الطبیعة... كل ھذا أدى الى
انھیار فكرة "الكون آلة".
تطورت العلوم بشكل كبیر جداً في جمیع الحقول المعرفیة، كذلك فقد تغیر أیضاً أسلوب العمل العلمي؛ فصورة العالم الذي یعمل وحده في
مختبره لم یعد لھا وجود... الیوم، توجد فرق مكونة من عدة أفراد یجب أن یعملوا و یتعاونوا معاً حتى الوصول الى نتائج متعلقة بأي
بحث... ھناك فرق تعمل في مجال الفضاء و الجینات و الطب و غیرھا.
التطور التكنولوجي سمح بالتحقق من كل ادعاء علمي و سمح أیضاً بنشر كل ما یثبت علمیاً.
التطور التكنولوجي سمح لنا كذلك بالخوض فیما حجمھ جزء من ملیار ملیار من المتر (المتناھي في الصغر) و فیما حجمھ ملیارات الكیلومترات (المتناھي في الضخامة)... للقیام بأداء حسابات دقیقة، توجد الیوم أحھزة كمبیوتر... و الریاضیات بدأت في الدخول في مجالات لیست علمیة مجردة كالإقتصاد و البیولوجیا.
الأسئلة تحولت، بمرور الزمن، من المسائل الأكثر عمومیة الى الخصائص، و من النظرة الفلسفیة الى النظرة الأخلاقیة و البیئیة...
كل الإجابات التي نرغب في الوصول إلیھا ستقدمھا لنا علوم المستقبل


0 comments:

Newer Post Older Post Home